الثلاثاء، 13 أبريل 2010

دور التعليم و التدريب التقني في جذب استثمارات التعهيد Outsourcing

مقالي المنشور في مجلة التدريب والتقنية في عددها رقم 134 والصادر في صفر 1431 هـ

مقدمة:
تعد المملكة العربية السعودية من أهم المراكز التجارية في منطقة الشرق الأوسط وأصبحت وجهة للاستثمارات في مختلف المجالات الخدمية والصناعية. وتعمل الحكومة السعودية جاهدة على تنويع الاستثمارات في مختلف المجالات.
ومن الاستثمارات التي وجدت لها رواجا كبيرا في الفترة الماضية استثمارات التعهيد التي أصبحت أساسا لاقتصاديات بعض الدول كالهند وغيرها. لدرجة قدر معها بعض المحللون أن الهند تحصل على ما يقدر بخمسة مليارات دولار بفضل هذه الصناعة[1].
واتجهت مجموعة من الدول العربية لتعزيز مثل هذا النوع من الاستثمارات, ففي دبي أنشأت منطقة دبي للتعهيد في عام 2005 م في إطار حرص دبي على تشييد أركان البنية الأساسية اللازمة لتحويل دبي إلى محور ارتكاز للاقتصاد المعرفي العالمي [1].
وفي هذه المقالة سأحاول بداية التعريف بالتعهيد وإعطاء نبذة تاريخية عنه, ومن ثم سأوضح العوامل الجاذبة لمثل هذا النوع من الاستثمارات ثم سأبين دور التعليم والتدريب التقني في تشجيع مثل هذه الاستثمارات.

معنى التعهيد وتاريخه:
يقصد بالتعهيد outsourcing قيام شركة بأداء المهمات أو الأعمال أو الخدمات بالنيابة عن شركة أو منظمة أخرى [2]. وهو أسلوب تلجأ إليه المنظمات الربحية وغير الربحية بهدف التركيز على الأنشطة الرئيسية للمنظمة وترك الأنشطة التكميلية والموازية لمنظمات أخرى وبتكلفة أقل. وقد تكون الشركة المعهود لها بأداء العمل في نفس دولة المنظمة العاهدة أو قد تكون في دول أخرى وهو ما يطلق عليه التعهيد الخارجي أو الدولي offshoring.
والأصول التنظيرية للتعهيد تعود للقرن السابع عشر الميلادي [3] ولكن التطبيق الفعلي لهذه النظريات بدأ تقريبا في بداية الستينات وتحديدا عند العام 1961 عندما قامت شركة Fairchild Semiconductor بتصنيع الدوائر الالكترونية في هونج كونج وإرسالها للولايات المتحدة لاستخدامها في صناعة الأجهزة الالكترونية [4].
والقفزة الحقيقية والفعلية للتعهيد كانت في السبعينات الميلادية حيث كانت البدايات الأولية لثورة الانترنت والتي دفعت لنقلة نوعية في مجال التعهيد الخارجي خصوصا في قطاع تقنية المعلومات والاتصالات.
وخلال الثمانينات والتسعينات بدأت تتبلور فكرة التعهيد على أساس أنه ميزة تنافسية للمنظمات وبدأت قطاعات أخرى تدخل هذا المجال لعل من أبرزها صناعة السيارات والطائرات.
وقد بلغت أهمية التعهيد حدا جعلته من احد مواضيع نقاشات المرشحين للرئاسة الأمريكية في عام 2004 م [5].
وبدأت استثمارات التعهيد تأخذ بعدا جديدا عندما دخلت الهند والصين وغيرها من الدول في هذا الاتجاه وبدأت تفرض نفسها كلاعب رئيسي في هذا المجال. فقد جاء في العدد الأخير من "مؤشر مواقع الخدمات العالمية (GSLI)"، وهو مؤشر لأكثر وجهات التعهيد الدولي، الذي تصدره مؤسسة أيه تي كيرني للاستشارات الإدارية [6]، أن الهند والصين تسيطر على ما مجموعه 50% من سوق استثمارات التعهيد الخارجي.
وبالإضافة للمكاسب المالية المتحققة للدول الداعمة لمثل هذه النوعية من الاستثمارات , فقد استطاعت هذه الدول توفير فرص وظيفية أكثر لمواطنيها واستطاعة الحد من ظاهرة الهجرة للخارج وما ينتج عنها من أضرار اجتماعية.
وفي الفقرة التالية سنناقش كيف استطاعة دول مثل الهند والصين الحصول على هذه الفرص الاستثمارية و ما هي العوامل التي تؤدي لجذب استثمارات التعهيد الخارجي لها.
العوامل الجاذبة لاستثمارات التعهيد الخارجي:
هناك عدة عوامل تلعب أدوارا جوهرية في جذب استثمارات التعهيد الخارجي لأي دولة, وسأتحدث عنها باختصار ,وقد قسمت هذه العوامل إلى ثلاث عوامل هي:
عوامل اجتماعية:
تلعب العوامل الاجتماعية دورا مؤثرا في عملية جذب استثمارات التعهيد الخارجي للدولة. ومن العوامل الاجتماعية المهمة, مدى إتقان مواطني الدولة بشكل عام والتقنيين بشكل خاص للغات الأجنبية وبالذات اللغة الانجليزية.. وأيضا المقدرة التقنية والفنية لخريجي الجامعات والكليات والمعاهد التقنية, والنقطة الأخيرة هي من أحد أسباب نجاح الهند وتربعها على عرش التعهيد الدولي [7]وسنتحدث عنها بالتفصيل في فقرة قادمة.
عوامل اقتصادية:
وللنواحي الاقتصادية أيضا أهميتها, فالدولة التي تملك بنية تحتية جيدة وتكون تكلفة الاتصالات فيها رخيصة تكون فرصتها في المنافسة أكثر. كما أن توفير مواقع لشركات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات و رخص الأيادي العاملة أيضا يعد عاملا اقتصاديا هاما [6].ويعد حصول الشركات على التدريب والشهادات العلمية المناسبة والمعترف بها من العوامل المحفزة.
عوامل تنظيمية وأمنية:
يلعب نظام الجمارك والضرائب وتسهيل الاستثمار عاملا حافزا لجذب استثمارات التعهيد الخارجي. كما أن وجود هيكلية تنظيمية واضحة للجهات الحكومية المسئولة عن الاستثمار و الاتصالات وتقنية المعلومات هو عامل جذب مهم لمشاريع التعهيد الخارجي [6]. والأمن يعد أيضا من العناصر المهمة فالدولة التي يقل فيها معدل الأمن أو يكون وضعها السياسي غير مستقر تقل فرصها في الحصول على استثمارات التعهيد[6].
دور التعليم و التدريب التقني في جذب استثمارات التعهيد:
قد لا أبالغ إذا قلت أن العامل البشري هو العامل الأبرز في جذب استثمارات التعهيد الخارجي للدولة. ولو أخذنا الهند على سبيل المثال كرائدة من رواد التعهيد لوجدنا الإحصائيات التالية:
معدل الأعمار في الهند هو 26 سنة, بمعنى أن غالبية الشعب في سن الشباب. عدد خريجي الجامعات يبلغ 2.5 مليون خريج كل سنة. وهناك ما يقارب من 2 مليون حاصلين على دبلوم تقني.
التعليم الجامعي والتقني في الهند متميز ففي تصنيف أفضل الجامعات العلمية المعروف بـ التايمز كيو إس العالمي كان ترتيب الجامعات الهندية – خصوصا في المجالات التقنية – بين 57 و68 [7].
وبالإضافة للجامعات المتميزة هناك معاهد متخصصة في تقنية المعلومات وإدارة الأعمال .
.Indian Institutes of Technology (IITs) والمشاريع التقنية مثل
وتقوم الشركات بدور فعال في العملية التدريبية, حيث يلزم الطلاب بما يقارب 6 أشهر إلى 12 شهر من التطبيق الفعلي في الشركات [مرجع6]. وتلعب هيئة NASSCOM دورا مهما في التنسيق بين الشركات والهيئات التعليمة والتدريبية وتحديد مناهجها والمهارات المطلوب إتقانها من الطلاب [8].

ومن خلال تحليل التجربة الهندية نستطيع تحديد الملامح الرئيسية للدور الذي قد يلعبه التعليم و التدريب التقني في مساعدة المملكة العربية السعودية لجعلها بيئة جاذبة استثمارات التعهيد:

1. مجتمع شاب:
تعد المجتمعات الشابة مجتمعات جاذبة للاستثمارات بشكل عام, والمقصود بالمجتمعات الشابة هي تلك المجتمعات التي معظم سكانها من الشباب وهذا موجود في المملكة العربية السعودية حيث تبلغ نسبة الشباب في المجتمع أكثر من 40% والمقصود هنا الشباب القادرين على العمل [9].
2. جامعات وهيئات تدريبية متميزة:
وهذه تعد من النقاط المهمة لأن الشركات تبحث دائما عن الجامعات والهيئات التدريبية التي تكون متميزة خصوصا في المجالات التقنية, لأن تميز الجامعات والكليات التقنية سينتج عنه حتما مخرج متميز وبالتالي فإن سوق العمل سيكون ممتلئا بالأيادي العاملة المدربة. وهذه النقطة مغيبة أو غائبة بالذات عن الكليات التقنية لمجموعة من الأسباب ليس هذا مجال طرحها. كما يجب علي الكليات التقنية أن تسعى جاهدة للحصول على مراكز متقدمة في التصنيفات العالمية للجامعات والكليات.
3. شهادات احترافية:
توجد مجموعة كبيرة من الشهادات الاحترافية التي تبين مدى احترافية الشركات والعاملين فيها . ولابد من أن تكون هناك جهات تشرف على هذه الشهادات الاحترافية وتحفز الشركات على دفع موظفيها للحصول على هذه الشهادات. وأحسنت المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني صنعا بتبني هذا التوجه عن طريق شراكتها مع كل من أكاديمية سيسكو وأوراكل ليكون خريجوها حاصلين على هذه الشهادات.
4. المعايير المهنية الوطنية:
وهذه الخطوة مهمة جدا لأنها توضح للشركات المستثمرة , مدى تمكن التقنيين من الأعمال التي ستوكل إليهم بناء على معيار واضح ومحدد. وكانت خطوة موفقة من المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني حين قامت ببناء مجموعة كبيرة من المعايير المهنية الوطنية.
5. هيئات تنظيمية:
إن وجود هيئات تنظيمية تلعب دور الوسيط بين القطاع الخاص وبين الجهات التعليمية والتدريبية أمر مهم ومن شأنه إيجاد خريجين حاملين للمهارات المطلوبة من الشركات, وأيضا يساعد وجود الهيئات التنظيمية على تنظيم العلاقة بين الجهات التعليمية والتدريبية نفسها. بحيث لا يكون هناك ازدواجية في الأدوار, وأيضا تلعب هذه الهيئات التنظيمية دورا في عملية قياس الجودة للجهات التعليمية والتدريبية.
6. إتقان اللغات الأجنبية:
لعل من أبرز أسباب نجاح الأيدي العاملة الهندية وجعلها مميزة في سوق التعهيد الدولي إتقانها للغة الانجليزية. ولعل التركيز ودفع طلاب الجامعات والكليات التقنية على تعلم اللغة الانجليزية وغيرها من اللغات قد يكون هو المفتاح لجذب المزيد من لاستثمارات التعهيد للسوق السعودي.
7. دورات تطوير وتنمية الشخصية:
لابد أن يكون لدى خريجي الجامعات والكليات والمعاهد التقنية مجموعة من المهارات التي تتعلق بتطوير الجوانب الشخصية أو ما يسمى المهارات الناعمة Soft skills, مثل: إدارة الوقت, العمل ضمن فريق, مهارات كتابة التقارير, التعامل مع الرؤساء والزملاء وغيرها.
8. اعتماد المعايير العالمية:
يجب على المؤسسات الحكومية العامة والخاصة بجميع فئاتها الحرص على الحصول على شهادات مطابقة للمعايير العالمية مثل معيار الآيزو ISO وغيره, لأن مطابقة مثل هذه المعايير يعطي انطباعا عن كفاءة هذه المنشآت ومدى مناسبتها لتطبيق مشاريع التعهيد.

الخاتمة:
ختاما من الأفضل للمسئولين في قطاعات الاستثمار والتعليم العالي والتدريب التقني النظر بعين الاهتمام لمشاريع التعهيد لأنها ستفتح جهة استثمارية جديدة وبابا جديدا من أبواب العمل للخريجين التقنيين خصوصا حملة الدبلوم.
كما يجب على الجهات المسئولة في الجامعات والمؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني النظر للتجربة الهندية والتعلم من أخطاؤها والاستفادة من خبراتها في هذا المجال.

المراجع:

1. Alasfer, W., دبي والقاهرة تغزوان لندن لمنافسة حيدر أباد الهندية على المشاريع البريطانية الخارجية, in الشرق الأوسط. 2004.
2. Bénaud, C. and S. Bordeianu, Outsourcing library operations in academic libraries: an overview of issues and outcomes. 1998: Libraries Unltd Inc.
3. Sancheti, M., OUTSOURCING TO INDIA. 2007.
4. Qfinance, Major Industry Trends. 2007, Qfinance Group.
5. Bush Economist: Outsourcing Remark Misunderstood, in Fox news. 2004.
6. A.T.Kearney, The shifting geography of offshoring. 2009, A.T.Kearney
7. Messner, W., Offshoring in India: Opportunities and Risks. Rightshore!: Successfully Industrialize SAP Projects Offshore, 2008: p. 4.
8. Sengupta, S., Skills Gap Hurts Technology Boom in India. New York Times, 2006.
9. Information, C.D.o.S., Population & Housing Characteristics In the Kingdom of Saudi Arabia Demographic survey 1428 h(2007). 2007.


الأحد، 21 مارس 2010

احتدام المنافسة في سوق قواعد البيانات

أفادت إحصائية قامت بها منظمة ITIC أن سوق أنظمة قواعد البيانات سيشهد الكثير من الأنشطة خلال عامي 2010-2011, نظرا لأن 60% من المنظمات ستقوم بتحديث أو توسيع أو إعادة ترتيب أنظمتها الحالية.
وقد قامت منظمة ITIC بإجراء استبيان لحوالي 450 منظمة عالمية, وقد أظهر هذا الاستبيان وبلا غرابة أن هناك أربع شركات مسيطرة على السوق بما يعادل 90%, هذه الشركات هي: أوراكل Oracle, آي بي إم IBM, ميكروسوفت Microsoft, سي بيس Sybase.

وهناك عدة أسباب لازدياد وكثافة نشاط سوق قواعد البيانات خلال هذا العام, أولها: تأجيل الكثير من الشركات والمنظمات لعمليات ترقية وتحديث شبكاتها وأنظمتها خلال فترة الأزمة الاقتصادية التي استمرت لما يقارب العامين من 2008بداية إلى نهاية 2009.وخلال كل عملية ترقية أو إحلال هناك احتمالية لتغيير نظام قواعد البيانات, وبالتالي هناك فرصة إحدى شركات البرمجيات الكبرى لأخذ مثل هذه الفرصة.

السبب الثاني هو عملية الاستحواذ الكبرى التي قامت بها شركة أوراكل ومن خلالها اشترت شركة سن ميكروسيستمز Sun Microsystems, وبالتالي استحوذت أيضا على قواعد البيانات الشهيرة ومفتوحة المصدر MySQL. مما أدى لتخوف الكثير من مستخدمي MySQL, بالرغم من تصريحات مدراء شركة أوراكل بأن الشركة ستواصل دعمها لقواعد البيانات MySQL.
واظهر الاستبيان أن 90% من المنظمات تختار نظام إدارة قواعد البيانات الأكثر توافقية مع البنية التحتية القائمة أو المخطط لها, والبقية تختار حسب التكلفة أو الأداء.

وأوضح الاستبيان أيضا أن 76% من المنظمات التي شملها الاستبيان وأغلبها شركات كبرى, لم تقم بأي عملية تغيير لنظام قواعد البيانات خلال الثلاث سنوات الماضية. والسبب لهذا واضح وهو أن تغيير نظام قواعد البيانات يحتاج الكثير من الوقت والجهد والمال أيضا.وعلى الرغم من ذلك هناك 20% من المنظمات قامت بتغيير نظام إدارة قواعد البيانات خلال الثلاث سنوات الماضية . ومعظمها قام بالتغيير لـ Microsft SQL Server. وسبب التغيير يعود لرغبة المنظمات ببناء التطبيقات داخليا In-House.

ويعد منتج شركة أوراكل Oracle 11gهو سيد السوق وبلا منازع, حيث يوفر قائمة كبيرة جدا من الخدمات لعل من أبرزها "معالجة المعاملات على الانترنت" Onlinne Transactional Processing (OLTP).

وبعده يأتي العملاق IBM's DB2, الذي لا يزال راسخا في عالم المشاريع نظرا لموثوقيته و أداؤه العالي وتقدير مستخدميه له, حيث أعرب 96% من مستخدميه عن رضاهم عنه.

أما شركة ميكروسوفت فهي ليست بعيدة عن المنافسة أيضا من خلال منتجها الرائع Microsft SQL Server 2008, الذي انتقل نقلة نوعية عن النسخ السابقة حيث يتمتع بسهولة الاستخدام والبرمجة, وقابلية الاستخدام.

وهكذا نرى أن أمام شركات البرمجيات المختصة بقواعد البيانات تحديات كثيرة وكبيرة, وعليها أن تأخذ في حساباتها ما يريده عملاؤها سواء من ناحية السعر أو الأداء أو التوافقية.

المصدر بالانجليزي:
http://itic-corp.com/blog/2010/02/database-competition-heats-up