الأربعاء، 23 نوفمبر 2016

المنظمات الموجهة بالبيانات



في ظل عصر المعلومات وتقنياتها أصبحت المنظمات تعتمد اعتماداً كبيراً على البيانات، وهذه الاعتمادية أدت إلى ظهور تقنيات مختلفة مثل قواعد البيانات وغيرها لتقوم بعملية تنظيم وتخزين واستخراج البيانات، ومع التطور المستمر لتقنية المعلومات والاتصالات تحولت البيانات إلى كنز استراتيجي لو أحسنت المنظمات استثماره والتعامل معه. وإن كانت المنظمات تهتم سابقاً في كيفية امتلاك البيانات والحفاظ عليها فإن المنظمات الناجحة الآن هي التي تعرف كيف تستثمر هذه البيانات وتحولها لقيمة تنافسية تبني عليها المنظمة قراراتها الاستراتيجية، إذن قيمة البيانات الحقيقية الآن ليست عند من يمتلكها فقط بل من يعرف كيف يستخرج منها معلومات مفيدة. والمنظمات الآن تمتلك حجم بيانات كبير جداً فمثلاً حسب تقرير صادر عام 2013 من  منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية قُدر حجم البيانات التي امتلكتها المنظمات عام 2010 فقط بـ سبعة اكسابايت (seven exabytes) أي ما يعادل 7 بليون جيجا بايت، والحجم بازدياد. وبدأ يظهر منحى جديد للمنظمات التي تتعامل مع بياناتها بفعالية وهو المنظمات الموجهة بالبيانات Data Driven Enterprise .

وفي هذا المقال سنتعرف سوياً على ماهي المنظمة الموجهة بالبيانات وماذا يعني أن تكون المنظمة موجهة بالبيانات.

ماذا نعني بالمنظمة الموجهة بالبيانات؟

هي المنظمة التي تقوم بتجميع ومعالجة وتحليل البيانات آنياً وخلال الزمن الحقيقي لاتخاذ القرارات المناسبة، وقد تعرف المنشآت الموجهة بالبيانات على أنها المنشآت التي يستطيع كل فرد فيها استخدام البيانات لاتخاذ قرار أفضل، مع قدرته على الوصول للبيانات في أي وقت حال حاجته لها.

مالذي تستفيده المنظمات الموجهة بالبيانات؟

·        الشركات الموجهة بالبيانات تزيد فرصتها للاحتفاظ بالعملاء بـ 6 مرات عن غيرها من الشركات، وذلك يتم عن طريق تحليل بيانات العملاء.
·        الشركات الموجهة بالبيانات تزيد فرصة حصولها على عملاء جدد بـ 23 مرة عن غيرها من الشركات، ومن أمثلة ذلك تقديم عروض تلامس الاحتياجات الشخصية للعملاء المستهدفين.
·        المنظمات الموجهة بالبيانات تزيد نسبة الولاء لدى عملائها بما يعادل 9 مرات، ويزيد نسبة الرضا لدى عملائها 6 مرات أكثر.
·        المنظمات الموجهة بالبيانات تزيد فرصة تحقيقها للأرباح 19 مرة.
·        83% من المنظمات الموجهة بالبيانات استطاعت تحسين اجرءات العمل لديها مقارنة بـ 29% من المنظمات التي لا تتبنى مثل هذا التوجه.
·        12% من المنظمات الموجهة بالبيانات استطاعت تخفيض التكلفة الشتغيلية لديها مقارنة بـ 1% من المنظمات التي لا تتبنى مثل هذا التوجه.
خصائص المنظمة الموجهة بالبيانات:

·        مركزية البيانات: ونقصد هنا أن البيانات التي يتم تجميعها تخزن بطريقة مركزية تتيح عملية التحديث السريع للبيانات، كما تتيح عملية الوصول السريع والمنظم للبيانات.
·        الأرقام وسيلة التخاطب: تهتم المنظمات الموجهة للبيانات بالأرقام، فمثلاً عند طرح فكرة يجب أن تكون هذه الفكرة مدعمة بالأرقام وإلا سيتم تجاهلها. كما أن الأرقام يجب أن تكون صادقة وتوضح حالة المنظمة الفعلية، فعند الأداء السئ للمنظمة يجب أن توضح الأرقام ذلك وألا تكون هناك محاولات لتجميل الصورة.
·        وصول ميسر للبيانات: في المنظمات الموجهة بالبيانات يستطيع كل موظف الوصول للبيانات التي تخص العمل الذي يقوم به أو يقوم به فريقه بسهولة.
·        تمويل سهل لمشاريع البيانات: تدعم المنظمات الموجهة بالبيانات المشاريع المتعلقة بجمع البيانات او تحليلها لأنها تؤمن بأهمية البيانات.
·        الأهداف مرتبطة بمؤشرات أداء واضحة: لأن المنظمات الموجهة بالبيانات تعتمد على الأرقام وعلى البيانات الصحيحة، فإن كل هدف من أهداف المنظمة يتم ربطه بمؤشر أداء واضح لقياس مدى النجاح في الوصول لهذا الهدف.
·        بيانات بجودة عالية: لا تكتفي المنظمات بجمع البيانات، بل تعين فريقاً مختصاً بضبط جودة البيانات والتأكد من وصولها للأفراد المسموح لهم. هذا الفريق يبدأ مهماته من المرحلة الأولى لمشاريع المنظمة.
·        أدوات تحليل تفاعلية: لا تكتفي المنظمات الموجهة بالبيانات باستخدام أدوات تحليل تقليدية بل تستخدم أدوات التحليل الأحدث والأكثر ابتكارية وتقوم بدمجها مع أنظمة المنظمة الأخرى.
·        سياسات واضحة للبيانات: لدى المنظمات الموجهة بالبيانات سياسات واضحة جداً فيما يتعلق بالتعامل مع البيانات، كسياسات التحكم بالوصول للبيانات، والتقارير تشير أن 56% من المنظمات الموجهة بالبيانات لديها أساليب لحوكمة البيانات.





في المقالات القادمة سنوضح كيف تتحول المنظمات لمنظمات موجهة بالبيانات، وكيف تستخدم أساليب واجراءات تدعم هذا التوجه.

الأربعاء، 9 نوفمبر 2016

دروس لعلماء البيانات من نتائج استطلاعات الرأي لانتخابات أمريكا 2016



فشلت أغلب استطلاعات الرأي في التوقع الصحيح لاسم الفائز في انتخابات أمريكا 2016، حيث لم تنجح سوى  صحيفة لوس انجليس تايمز بالتعاون مع جامعة جنوب كاليفورنيا في توقع فوز دونالد ترامب بل توقعت ذلك في ستة استطلاعات رأي نشرت في أوقات مختلفة هذا العام، وهناك أداة ذكاء اصطناعي أخرى توقعت ذلك هي   MogIA.
هذا الفشل الذريع سيقود حتماً لدروس لعلماء البيانات ليستفيدوا جيداً من هذا الحدث، وفي هذا المقال سنناقش لماذا نجحت استطلاعات صحيفة لوس أنجلس تايمز وأداة MogIA في التوقع الصحيح ولماذا فشل الآخرون، وذلك عبر النقاط التالية:

·       دراسة تفاعل المستخدمين: تنبأت أداة MogIA بفوز ترامب عن طريق دراسة سلوك مستخدمي الشبكات الاجتماعية مثل تويتر وفيس بوك ويوتيوب. حيث تم تجميع ما يعادل 20 مليون نقطة بيانات، وبناء على دراسة نتائج الانتخابات الماضية وجدت أن المرشح الرئاسي الذي يحصل على تفاعل أعلى من المستخدمين هو من سيربح السباق الرئاسي. وفي الانتخابات الحالية كان ترامب هو الحاصل دائماً على أعلى نسبة لتفاعل مستخدمي الشبكات الاجتماعية.
·       تغير السلوك البشري: تبنى نتائج استطلاعات الرأي بناء على دراسة حالات مشابهة، وفي نفس الوقت تستخدم أساليب تقليدية لجمع البيانات كـ التواصل المباشر مع شرائح مختلفة من المجتمع، وباستخدام برامج الذكاء الاصطناعي وعلم البيانات يتم التوصل لتوقع معين. لكن مالم تأخذه أغلب نتائج الاستطلاع هو أن السلوك البشري الذي كان مؤثراً في انتخابات سابقة قد فقد تأثيره في الانتخابات الحالية، اذن أخذ هذا العنصر بالاعتبار لأن اضفاء دراسة الجانب النفسي سيحول البيانات لتكون تفاعلية أكثر.
·       تمثيل غير صحيح للعينة الاحصائية: لعل هذا السبب هو السبب الرئيسي في فشل أغلب نتائج الاستطلاعات، لأنه حسب المحللين من رجح كفة ترامب هم المواطنون الأمريكيون من أصول بيضاء و يقيمون بمناطق ريفية وأعمارهم فوق الخمسين عاماً. والسبب في تجاهل الاستطلاعات لمثل هذه الشريحة ربما يعود لأنهم لا يشاركون عادة في الاستطلاعات الأولية وربما لأنهم لم يشاركوا في الانتخابات الماضية بكثافة.
·       البيانات الأولية غير صحيحة: هذا السبب ببساطة يتعلق بأن الناس اتجهوا للكذب في استطلاعات الرأي لأسباب غير معروفة وبالتالي فقدت البيانات مصداقيتها لأنها أصبحت غير صحيحة. فمثلاً أشارت نتائج الاستطلاعات في ولاية ويسكونسن بتقدم كلينتون بما يعادل 43% من الأصوات عن ترامب الذي حصل على 41% تقريباً، لكن النتائج الفعلية أشارت بحصول  ترامب على مايعادل 90% من الأصوات في هذه الولاية.
·       البيانات نقية جدأ: هذا السبب ربما يعد غريباً، لأن علماء البيانات يهتمون جداً بتهيئة البيانات وجعلها نقية  من البيانات المزعجة أو التي لاقيمة لها، لكن حسب رأي بعض الخبراء هذا يجعل نتائج تحليل البيانات صالحاً في بيئة نقية ليس بها ازعاج أو تشتت وهذا ليس الحال طبعاً في الانتخابات الرئاسية حيث هناك كم كبير من البيانات غير النقية. بل ربما أن عملية تنقية البيانات يفقدها بعضاً من قيمتها أو يجعلنا نفقد بيانات مؤثرة دون أن ننتبه لها.

ربما يؤثر فشل أغلب استطلاعات الرأي في توقع الفائز في الانتخابات الرئاسية الأمريكية  على ثقة الناس في علم البيانات ولكن علماء البيانات سيستفيدون من هذا الفشل وسيوجهون أنظارهم للتجارب الناجحة في هذا المجال كتجربة MogIA للاستفادة منها وسيخرجون بفوائد أكثر.

للاطلاع:





الأربعاء، 2 نوفمبر 2016

قيادة الشركات بين الالهام والابتكار والتنفيذ


في عام 2000م أي في بداية القرن الحادي والعشرين  كانت ميكروسوفت هي الشركة الأكثر ريادة وشهرة في مجال تقنية المعلومات ولكن بعد ستة عشر عاماً أي في عام 2016 أصبحت مجرد شركة برمجيات كبيرة، القصة تبدأ بعد ترك الاسطورة بيل جيتس العمل كرئيس تنفيذي للشركة واستلام ستيف بالمر العمل خلفاً له.

والمفارقة تكمن في أن ستيف بالمر لم يكن سيئاً خاصة حين يتعلق الأمر بالأرباح بل إن أداؤه كان مذهلاً جداً فقد ضاعف مبيعات الشركة ثلاث مرات لتصل إلى 78 بليون دولار وضاعف الأرباح لتصل من 9 بلايين دولار إلى 22 بليون دولار. بل وأضف أنه في عهده تم اطاق مجموعة متميزة من المنتجات مثل اكس بوكس وتم الاستحواذ على شركات ناجحة مثل سكايب ويامر. ولو أن الأمر يتعلق بالتفكير بالأرباح الفصلية أو حتى السنوية لفترة قصيرة لربما كان ستيف بالم ناجحاً جداً لكن لأن الأمر يتعلق بأهداف استراتيجية تضمن للشركة نجاحاً طويل المدى فـ ستيف بالمر يعد سيئاً جداً لأنه اهتم بالنجاحات السريعة وأهمل النجاحات والفرص الاستراتيجية طويلة الأمد.

الاخفاقات الخمس لـ ستيف بالمر:

بغض النظر عن المردود المالي المتميز الذي حققته شركة ميكروسوفت، فإنها أخفقت في اقتناص الفرصة من خلال فشلها في فهم الخمس تقنيات التي أثرت على المجال التقني في القرن الحادي والعشرين، ففي مجال البحث عبر الانترنت سلمت السيطرة لشركة جوجل وفي مجال الهواتف الذكية سلمت السيطرة لشركة أبل وفي مجال أنظمة تشغيل الهواتف الذكية سلمت الدفة لشركة أبل وشركة جوجل وفي مجال الوسائط والاعلام سلمت السيطرة لشركتي أبل ونت فليكس وأخيراً في مجال الحوسبة السحابية تركت الميدان خالياً لشركة أمازون. ولكي تتعرف على المجال الذي خسرته ميكروسوفت في عهد بالمر يكفي أن تعلم أنه في نهاية القرن العشرين كانت ميكروسوفت هي المسيطرة تماماً على أنظمة تشغيل الحاسب الشخصي حيث كان ما يعادل 95% من أنظمة التشغيل في الحواسيب الشخصية تتبع لشركة ميكروسوفت، أما الآن فـ ميكروسوفت تتشارك 1% فقط من أنظمة تشغيل الهواتف الذكية مع شركات أخرى !!
لكن السؤال المهم هو كيف غابت كل هذه الفرصة الواضحة عن ناظري رئيس تنفيذي ذكي كـ ستيف بالمر، خصوصاً اذا عرفنا أن المجالات الخمس السابقة هي التي استطاعت جذب أغلب المستخدمين وخاصةً عملاء ميكروسوفت؟

تنفيذ وتنظيم مجالات العمل الرئيسة :

لم يكن السبب أن شركة عملاقة كـ ميكروسوفت لم تكن تملك مهندسين ومبدعين ليعملوا على مثل هذه المشاريع، بل لأن بالمر كان يدير الشركة معتمداً على عناصر قوتها الحالية وهي أنظمة تشغيل الحاسب وتطبيقات الأوفيس، المشاريع الأخرى لم تجد اهتماماً حقيقياً وفي بعض الأحيان لم تزود بالموارد الكافية لكي تنجح. كان على ميكروسوفت لكي تنجح في المجالات السابقة ( البحث، الوسائط والموسيقى، الهواتف الذكية، الحوسبة السحابية) أن تجري تغييراً في طريقة تفكيرها وإدارتها ونموذج العمل المتبع، كان عليها أن تتحول لشركة تقدم خدمة، والصعوبة تكمن في تحويل شركة متميزة في تقديم المنتجات إلى شركة متميزة في تقديم الخدمات.
ميكروسوفت وبالمر فشلا لأن الرئيس التنفيذي كان تنفيذياً من الطراز العالي ( خريج هارفرد ورجل مبيعات من الطراز العالي)، فشلا لأن نموذج العمل المطبق كان تقليدياً جداً في عالم مليء بالمتغيرات، فشلت ميكروسوفت لأنها نفذت منهج القرن العشرين بنجاح هائل لكنها أهملت طرق العمل الجديدة، فشلت لأن الرئيس التنفيذي كان يفكر في مكاسب سريعة لكنه أهمل الجانب الاستراتيجي بعيد المدى، والنتيجة تحول الشركة من الشركة المسيطرة على السوق إلى شركة عادية.
وفي عام 2014 قرر بالمر أن يتقاعد واختارت ميكرسوفت ساتيا ناديلا ليصبح رئيساً جديداً لها، وهو وإن استطاع اعادة الشركة للتوازن إلا أنه لازال لديه الكثير من العمل لاعادتها كما كانت.

مالذي افتقدته ميكروسوفت؟

القادة الملهمون ليسوا فقط منفذين من طرازٍ عالٍ لنموذج عمل تم اختباره  والتأكد من نجاحه بل هم مبتكرون من طرازٍ رفيع، وبالرغم من أنهم يتمركزون حول المنتج ونموذج العمل إلا أن العميل يبقى مرتكزهم الرئيسي.
القادة الملهمون هم المرنون الذين يعرفون كيف يغيرون مدارهم ويقومون بتغييرات تتناسب مع احتياجات وتغيرات الأسواق بل ربما يستبقون هذه التغييرات ويصنعونها، والقادة الأفضل هم من يحدثون الفرق ويقتنصون الفرص قبل أي أحد ويصنعون أسواقاً جديدة لمنتجاتهم، إنهم باختصار يبقون رائدون في مجالهم.

أحد أبرز قادة الشركات الملهمين كان ستيف جوبز، الذي استطاع نقل شركة أبل من شركة حاسبات واعدة إلى الشركة الأكثر ربحية في العالم. خلال الأعوام من 2001م إلى 2008م استطاع جوبز إعادة كتشاف أبل 3 مرات، الأولى نقل الشركة من مجرد موزع تقليدي لأجهزة الحاسبات إلى عالم صناعة الموسيقى من خلال أجهزة iPod  و iTunes عام 2001 ثم القفزة الثانية كانت عبر الجهاز الأشهر آيفون iPhone  عام 2007، ثم النقلة الثالثة عبر متجر أبل الالكتروني، وخلال كل مرحلة من هذه المرحلة كانت الشركة تحقق مبيعاتٍ وأرباحٍ هائلة.


https://steveblank.com/2016/10/24/why-tim-cook-is-steve-ballmer-and-why-he-still-has-his-job-at-apple/

المصدر:
https://steveblank.com/2016/10/24/why-tim-cook-is-steve-ballmer-and-why-he-still-has-his-job-at-apple/

لم يكن انتقال الشركة انتقالاً تقليدياً من منتج لمنتج بل كان انتقالاً هائلاً وثورياً، فقد أصبح لدى الشركة قنوات توزيع جديدة وزبائناً جدد بل ان الشركة استطاعت انشاء أسواق جديدة لمنتجاتها. كل هذا تم مع التركيز على أشياء مختلفة لم تكن معهودة مسبقاً مثل التركيز على التصميم الجيد أكثر من المكونات المادية للجهاز.
القادة الملهمون لايحتاجون أحداً ليشرح لهم منتجات الشركة، هم مشاركون في كل جزئيات العمل بدءاً من التصميم إلى المنتج النهائي، مثل هؤلاء القادة يملكون الرؤية لمعرفة الوضع الحالي للسوق وللعملاء ويملكون الرؤية أيضا لمعرفة مستقبل الشركة. هم يعرفون مالذي يريده عملاؤهم تماماً لأنهم يستمعون لهم، وبالرغم من اعتمادهم على لجان استشارية متخصصة ومساعدين تنفيذين بارعيين إلا أنهم لايتمركزون حولهم بل يتبعون شغفهم. وهذا يقودنا للحديث عن تيم كوك؟

لماذا تيم كوك مجرد ستيف بالمر آخر؟

أحد نقاط القوة لدى القادة الملهمون هو أنهم يحيطون أنفسهم بفريق تنفيذي رائع ( مع ابعاد أي قائد ريادي محتمل من هذا الفريق قصداً أو بدون قصد)، مشكلة الشركة التي تدار عبر قائد ملهم أنه لايوجد سوى شخص واحد بهذه المواصفات. مشكلة هذا النوع من القادة أنهم يحيطون أنفسهم بتنفيذين متميزين لكنهم ليسوا مبتكرين متميزين. عندما كان جوبز يتولى قيادة أبل كان لديه قادة تنفيذيون رائعون في كل المجالات مثل البرمجيات والأجهزة وقنوات التوزيع، لكنهم كلهم كانوا يحولون فكره وطموحاته هو إلى خطط واجراءات.
وعندما تفقد الشركة مثل هذا النوع من القادة إما بسبب تقاعدهم أو وفاتهم أو لأي سبب، فإن كبار القادة التنفيذيون يظنون أنهم يستطيعون ملء هذا الفراغ بل حتى بعض القادة الملهمون يعززون مثل هذا الظن عن طريق ترشيح أحد التنفيذيين ليحل مكانهم، فمثلاً بيل جيتس رشح ستيف بالمر أما ستيف جوبز فقد أعلنها بصراحة أن تيم كوك خليفته المنتظر.
وعند استلام القائد التنفيذي للسلطة وتولي زمام أمور الشركة فإنه يركب موجة نجاحات الشركة الحالية ويعتمد كثيراً على الاجرءات الناجحة القديمة ويعيد تنفيذها مراتٍ عديدة، ووبالرغم من أن هذا يضاعف أرباح الشركة ومبيعاتها لكنه بداية النهاية لروح الابداع الموجودة بالشركة، فيبدأ الأشخاص المبدعين بمغادرة الشركة وهذا يؤدي لزيادة الأشخاص الاجرائيين  والذي سيقومون بدورهم بجلب أشخاص اجرائيين أكثر ويزداد عدد الأشخاص المبدعين الراحلين عن الشركة. هذا التغيير في ثقافة الشركة – بدءاً من رأس الهرم- ينعكس أثره على المنظمة بأكملها فبدلاً من كون الموظف يعمل في شركة مهتمها تغيير العالم سيعمل لأجل العمل فقط.
ولأن القادة التنفيذيون أشخاص اجرائيون فقط، فهذا يعطي العميل احساساً أنهم لايحبون منتجاتهم ولايقودون انتاجها، ولتعرف ماذا نعني بذلك تابع العرض التقديمي لساعة أبل الجديدة على هذا الرابط.
كوك يقود شركة أبل منذ خمس سنوات وهي فترة كافية لربط اسمها به بدلاً من ستيف جوبز، وعند مقارنتنا أداء كوك بـ بالمر نجد تشابهاً كبيراً، فمثلاً عائدات شركة أبل وصلت 200 بليون دولار ورصيدها البنكي وصل إلى ربع تريليون دولار- وهي مبالغ ضخمة جداً بالمناسبة-، وجهار الأيفون لازال يواصل أرقامه الخيالية، لكن خلال هذه الخمس سنوات المنتج الوحيد الجديد هو ساعة أبل.
لكن العالم في طريقه لمفاجأة أبل تماماً كما فعل في ميكروسوفت، أبل لازالت تسيطر على الأجهزة الذكية من خلال تصاميمها الجذابة وطريقة تحكم المستخدم الرائعة لكنها تفقد السيطرة على مجال آخر، شركتا جوجل وأمازون سيطرتا على موجة منتجات الحوسبة القادمة من خلال منتجاتهما المميزة في مجال الذكاء الاصطناعي والتطبيقات والأجهزة المرتبطة به AI-directed services. فكر فقط في جهاز Alexa من أمازون و جهاز Google Home من جوجل، أجهزة منزلية تعمل بالأوامر الصوتية ومن خلال تقنيات الذكاء الاصطناعي وهذه الفئة الجديدة من الأجهزة لن تكون في الأجهزة الذكية للعملاء فقط بل في كل أنحاء المنزل، اذن منصة التشغيل الناجحة لن تكون فقط في الهواتف الذكية بل ستمتد لكل أنحاء المنزل.
ومرة أخرى هذا لايعني أن أبل ليس لديها مشاريع مشابهة فهي لديها سيري Siri  و أعلنت عن مشروع السيارة الذكية ولديها في معاملها الكثير من المشاريع المتعلقة بالذكاء الاصطناعي والواقع الافتراضي، المشكلة تكمن في أن القائد الحالي للشركة ليس لديه ذلك الشغف بمنتجاته ولم يصرح بعد برؤيته الشخصية عن مسيرة أبل وكيف سيكون مستقبلها الاستراتيجي وليس لديه وضوح عن ماهية الأسواق الجديدة التي تستطيع منتجات شركته الوصول إليها.

أربع اشكاليات تواجه الشركات عند رحيل القائد الملهم:

الاشكالية التي واجهت ميكروسوفت والتي تواجه أبل حالياً بعد مغادرة قائد ريادي وملهم هي مشكلة استراتيجية، وتكمن في اجابة هذا السؤال:
 " هل نود أن نكون شركة ابتكارية من الطراز العالي، ونود مواجهة تحديات وأخطار جديدة؟ أم نفكر فقط في زيادة الأرباح والمبيعات ونتحول لشركة تنفيذية فقط؟" أو بصيغة أخرى " هل نود تعيين قائد ملهم ومبتكر وريادي حتى لو كان من خارج الشركة؟ أم سنعين قائداً تنفيذياً متميزاً من قادتنا الحاليين؟ ".
التحدي الأول واجهته شركات مثل ميكروسوفت وأبل بل حتى والت ديزني، حين اختار رؤسائها التنفيذيون الملهمون والرائدون مساعديهم ونوابهم لتولي قيادة الشركة، لأنهم من وجهت نظرهم لايوجد فرق بينهم وبين القادة المختاريين بل هم نفس القادة السابقين تقريباً، لكن هذا لم يكن الحال خصوصاً حين تعلق الأمر بأهداف استراتيجية بعيدة المدى.
التحدي الثاني قد تواجهه الشركة التي تختار قائداً لها من خارج مجلسها التنفيذي الحالي، فقد يغادرها النائب التنفيذي الأول والثاني وربما يغادرها كل طاقمها التنفيذي لأنهم يعتقدون أنهم الأحق بالمنصب، وهكذا ستخسر الشركة ليس فقط قائدها الملهم بل كل قادتها التنفيذيون بما يحملونه من خبرة ومعرفة.
التحدي الثالث يكمن في أن هؤلاء القادة المبتكرون أصبحوا جزءاً من اسم الشركة وسمعتها، فكر فقط في ستيف جوبز وشركة أبل، وبالرغم من أن هذا التحدي ليس جديداً فقد واجهته مسبقاً كثير من الشركات وقادتها الرواد خلال القرن العشرين مثل والت ديزني وهنري فورد وغيرهم، وهولاء القادة لم يكونوا فقط واجهة خارجية جميلة للمنظمة بل كانوا صخرة ثابتة تستند عليها كل قرارات المنظمة الداخلية، وبعد سنين من رحيل مثل هؤلاء القادة عن منظماتهم لازال السؤال " مالذي كان يفعله القائد ؟" بدلاً من " مالذي يجب أن نفعله في مواجهة السوق المتغيرة باستمرار؟"
التحدي الرابع يكمن في أن هذه الشركات تكبر بشكل هائل ولذلك تقع ادارتها الجديدة بمغالطة ضرورة المحافظة على المكاسب المادية السريعة مما يؤدي لوقوع الشركة في مخاطر أكبر، لأن الشركات الكبيرة ومجالسها التنفيذية تحرص على المحافظة على مكتسباتها كـ حصتها السوقية وعملاؤها وايراداتها وأرباحها، وهذا قد يجدي نفعاً لكن ليس في مجال متغير بشكل سريع كالمجال التقني.

الخاتمة:

إن اختيار قائد تنفيذي للشركة من قادتها التنفيذين الحاليين بعد غياب قائدها الريادي امر خاطئ، لأنه على مجلس إدارة الشركة أن يعلم أن اختيارهم للمغامرات والنماذج الريادية المبتكرة هو سبب نجاحهم وأن ركونهم للنماذج التقليدية سيخرجهم من ساحة المنافسة لأن من سمات القرن الواحد والعشرين أنه كلما تشبثت أكثر بمنتجاتك وأسواقك الحالية كلما عرضت نفسك لخطر التشتت والضياع.
لذا يجب على الشركات أن تختار قادتها الجدد من النوع الذي يدور في فلك المنتج والعميل على حد سواء مع نموذج عمل غير تقليدي، وأن يملك رؤية ابتكارية وريادية تجعله قادراً على قيادة الشركة لمشاريع جديدة ومناطق سيطرة جديدة بدلاً من قيادتها إلى (الافلاس). وهذا القائد الجديد يجب عليه أن يلهم قادته التنفيذيون في كل مجالات العمل التابعة له بدءاً من تصميم المنتج إلى تسعيره وانتهاء بوجوده في أسواق جديدة، كل هذا مع ابتكار نموذج عمل ريادي متميز وجديد.

هذا المقال ترجمة بتصرف لمقال الكاتب ستيف بلانك على الرابط: